الأحد، مايو 15، 2011

ابن لادن والجهاد الأفغاني...!





إذا كذب على الله – عز وجل –، فما أسهل أن يكذب على غيره؛


تاريخ الجهاد الأفغاني ضد الروس أمّر تدخلت فيه الدول الكبرى، ودول أخرى، وصار حلبة متوسطة في الصراع بين قطبي الأرض آنذاك أمريكا وروسيا، التقى رؤساء المجاهدين بالرئيس الأمريكي ريغان 1983م، ودعمت السعودية – وعلماؤها – الجهاد الأفغاني دعماً قل نظيره، عاشه المسلمون حياة ولم يعلموه فقط؛ واشتعلت الحرب بين الأفغان – والدول التي تدعمهم – والاتحاد السوفيتي وحاكمه المزروع في كابول، ولا يهمنا سياق أحداث الواقع أو السياسة، لكن المهم ذكر الحقائق الكبرى التاريخية الواضحة في هذا الجهاد؛ فبعد اتضاح المعادلات، وتدفق الصدقات، وفتح الممرات، ودارت رحى الجهاد، جاءت الجماعات الإسلامية السياسية فرأت القتال والجهاد قائماً، السعودية تناصره، والمسلمون متعاطفون، والأهداف واضحة، فسلكت هذه الجماعات في الجهاد مسالك:-



1- القطبيون الجهاديون التكفيريون الذين رأوا في الجهاد متنفساً وملجأً ومعاذاً لهم فهرولوا إلى بشاور – وقد قال بعض المحللين أن بعض الأنظمة غضت النظر عنهم وعن تسربهم إلى هناك حتى تتخلص منهم في الجهاد الذي دارت رحاه إلا أنهم أذكى من أن يضحوا بأنفهسم في غير أهدافهم الحقيقية التي هي الطواغيت الحكام القابعين على صدور المسلمين بحسب إعتقادهم.



2- القطبيون السروريون اتخذوا من الجهاد وسيلة لمدارس مجانية على السلاح والقتال والتدريب والتربية ليوم مواجهة الطواغيت الحاكمين بغير ما أنزل الله.



3- والأخوان المسلمون صرح مرشدهم بأنهم يمدون الأفغان بأنواع المدد إلا الرجال تبعاً لتصريح قائدهم في أفغانستان سياف بأننا بحاجة إلى المال لا إلى الرجال ولا مانع من استثمار الحدث كالعادة في إلهاب مشاعر الجماهير المسلمة، وترسيخ طريقة الإخوان السياسية في التدين، واستدرار الصدقات.
فجاء عبدالله عزام الإخواني المشهور الذي طعن على الألباني – رحمه الله – لإنه نقد سيد قطب – فإنشق عن الخط العملي للإخوان في هذه المسألة وشارك في الدعوة الصريحة للجهاد في سبيل الله –عز وجل – فعلياً، فأحاط بعبدالله عزام الجهاديون التكفيريون القطبيون وتشكل له كيان خاص.
هنا جاء هذا الشاب السعودي المليونير أسامة بن لادن لينضم إلى ركب الجهاد، ويجذبه عبدالله عزام إلى معطفه، ويصنع منه أيقونة لجذب الشباب إلى الجهاد، فهو المليونير الذي زهد في الدنيا، وأقبل للتضحية بنفسه.
فصارت بطانته الكاملة والتامة كل هذا الخليط من الجهاديين والتفكيريين والإخوانيين والقطبيين بكل أنواعهم.
خشى القطبيون في السعودية أن يسحب شبابهم الذين تربوا في أحضانهم فتضيع جهودهم وتذهب قاعدتهم؛ فتصدوا لدعوى وجوب الجهاد، وتولى سفر الحوالي الرد على عبدالله عزام من غير منع للشباب – كما تقدم – من السفر إلى أفغانستان لتلقي التدريبات المجانية التي تصب في مصلحة الدعوة في النهاية لتغيير الأنظمة. إذ أن مبدأ القطبيين وعقيدتهم آنذاك – عدم جواز الإنخراط في العمل السياسي بحجة التغيير لإن الأنظمة وبناءها هي كفر أكبر وجاهلية، وما أسس على باطل فهو باطل – كما أفنى سيد قطب قلمه في الظلال وغيره في شرحه وترسيخه.



تبلورت شخصية ابن لادن التكفيرية، وأصوله المنحرفة الجهادية، ونطق بها بلسانه مراراً وتكرارا وصار بمنأى عن أهل السنة في أفغانستان كالشيخ جميل الرحمن – رحمه الله تعالى الذي قتله القطبيون؛ ونأى بنفسه عن مذهب أهل السنة، وصار كل جلسائه وبيته – بيت العرب – وكلامه وموئله ودعمه وعلاقاته في داخل أفغانستان وخارجها يرتبط بمذهب التكفير؛ وشيء من مذهب الجهاد المصري.



والمصيبة العظمى أنّ عامة الشباب المسلم – رحمهم الله تعالى وغفر لهم – ممن قتل في الجهاد الأفغاني؛ كانوا شباباً صادقين خارجين عن مذاهب الجماعات وحساباتهم، ومن لم يقتل منهم كان في بيئة ابن لادن ومن شايعه هناك موئلاً لغرس بدع التكفير والخروج والقطبية والإخوانية في نفوسهم وقلوبهم.



لم تنتقل القيادة لأبن لادن إلا بعد مقتل عبدالله عزام، فورث الجهاديون التكفيريون ميراث عبدالله عزام، وكان أسامة بن لادن من ميراثه.



وفي حقيبة مبكرة نقد علماء السنة الكبار أسامة ابن بن لادن فقال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى:- "ونصيحتي للمسعري والفقيه وابن لادن وجميع من سلك سبيلهم أن يدعوا هذا الطريق الوخيم".10هـ.
وقال الشيخ مقبل بن هادي رحمه الله تعالى:- "أبرأ إلى الله من ابن لادن، فهو شؤم وبلاء على الأمة وأعماله شر"10هـ- (جريدة الرأي عدد 11503).
وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -:
"أسامة بن لادن: من المفسدين في الأرض، يتحرى طرق الشر الفاسدة وخرج عن طاعة ولي الأمر"10هـ. (المسلمون 9/5/1417هـ)


فكانت حقيقة أسامة بن لادن المذهبية، ووضوح إنحرافه عن السنة، وكلامه وعمله قبل أحداث 11/سبتمبر) بسنين وسنين لا تخفى على صاحب سنة حقيقي.
- ليس قطبي ناصح وصادق.


خاتمتين:
1- قبل أن ينطلق القطبيون بقواعدهم المعتادة الموضوعة للدفاع عن أهل البدع أحبُ أن أبادر للرد على شبهة قبل أن يدلى بها تكميلاً
للنصيحة والفائدة.


- فقد أثنى بعض أهل العلم على ابن لادن في وقت لم يكن أمره بالنسبة إليهم خاصة واضحاً، فلا يجوز استعمال هذا الثناء طوال الوقت، أو للإعتذار عنه بعد وضوح مذهبه وأمره.
وها هم عبدالرحمن عبدالخالق وسفر الحوالي وسلمان العودة نالوا بعض الثناء الي أن اتضح بحمد الله عز وجل – للناس امرهم.
فاقتناص مثل هذه التزكيات، وغض النظر عن النقدات، وترك تحكيم الأدلة والآيات، هو من أتباع الهوى والمتشابهات، والتي يحسنها جيداً – اتباع الجماعات.



2- عجيب جداً أمر القطبيين؛ فقد تترسوا بفقه الواقع ليطعنوا على أهل العلم ويتهمهونهم بالجهل، واليوم أيضاً يتترسون به للدفاع عن ابن لادن، وفي الحقيقة الدفاع عن مذهبه وبعض أصوله وشيخوه؛ وقد اتضح على مر السنين والتجارب والأمثلة أن المقصود بفقه الواقع ما يأتي من جهتهم؛ فيجب أن يكونوا هم القنطرة بين الواقع والناس، لأن الواقع – المترادفة أخباره ومعلوماته – لا يحسن قراءته إلا هم، ولذلك قسموه الى قسمين: استقراء – ومقصودهم بصرف الناس إليه صرفهم عن أصول السنة وأهل العلم-، و الثاني الربط بين الأحداث والتفسير – ومقصودهم أن يؤخذ هذا التفسير عنهم.


وإلا فانهار الدم في العراق، والعمليات في الدمام والرياض، والتفجير في شرق أفريقيا وبالي في أندونيسيا، وعملية 7 يوليو في أنفاق مترو لندن، وتفجير 11 مارس في مدريد، ومئات الأخبار والمعلومات التي تتناقل شخصياً وشفوياً وفورياً ناهيك عن التائبين الأحياء الذين ينطقون بلسانهم، وما ينقل في الوسائل الحديثة المباشرة، وكلام ابن لادن نفسه في التكفير والطعن على العلماء كالشيخ ابن باز – رحمه الله تعالى -؛ كل ذلك من الممكن أن يبتغى فيه مجال للتشكيك لأن بعض الكفار قد شكك في أحداث 11 سبتمبر، فلا نستطيع أن نجزم بضلال ابن لادن. يا له من ورع بارد.


إنها مشكلة دين منحرف عن السنة يبني أمره على الأحداث. إنها مشكلة عقول تعاني من تقليد جديد لتفسير الأحداث التي يأتي بها الشيخ. حتى لو كانت خلاف الأحداث المرئية والمسموعة والمتواترة.



وما أشبه الليلة بالبارحة حين جاء أهل الكلام قديماً فزعموا أن الحق لا ينصر، والباطل لا يكسر، إلا بطريقتهم؛ فزهدوا وحقروا وصرفوا عن طريقة أهل العلم والسنة، ثم إحتكروا علم الكلام على أنفسهم وخاصتهم.



فإذا كان لابد من الرجوع للرجال؛ فأي الرجال أولى بالرجوع؛ علماء السنة، أو علماء الجماعات الإسلامية السياسية؟.

بقلم الشيخ أحمد السبيعي