قال الشيخ الفقيه عبيد
الجابري حفظه الله تعالى:
ونظرنا في حال أهل
بلدنا خاصة وخلق لا يحصون من أقطار الإسلام قد بلوا بدعاة سوء وفرقة
تمكنت من قلوبهم ـ أعني هؤلاء دعاة السوءـ الشهوات والشبهات، فنفذوا إلى الأمة وبثوا
خلالها أفكارا مسمومة تفرق الجماعة وتشتت الأمة، فهم ساعون سعيا حثيثا على تفريق
الكلمة وإعادة الأمة إلى ما كانت تعيشه في سابق عهدها من الهمجية والغوغائية والفوضى وحرفهم
عن السنة و المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها؛ كي يميل الناس إلى معسكر الشرق
أو الغرب الكافرين شاءوا أم أبوا، وسأذكر لاحقا أمثلة، وأحببت أن أضمن هذا الحديث أولا
نبذة تاريخية تصور حال بلدنا وما كانت عليه من جاهلية جهلاء وضلالة عمياء وغارات سلب
و نهب فلا يحكمها إلا شريعة الغابة كما يقولون
ويظهر لي أن هذا
بدأ حين تفككت دولة بني عباس أو سقطت في أيدي التتار في عام 656
وقد حدثنا كبار السن
الذين تزيد أعمارهم فوق المئة منهم من هو موجود الآن ومنهم من مضى غفر الله لنا ولهم؛
فلا سبل مؤمنة ولا راية للتوحيد و السنة مرفوعة ولا سلطان يوزع به الطغام ويقام به
شرع الله وعلى رأسه التوحيد، كان الشرك ضارب أطنابه في هذه الجزيرة بلد الحرمين وما
جاورهما و التي أصبحت بعدُ معروفة بالمملكة العربية السعودية، ولما أن أراد الله سبحانه
وتعالى أن يعلي راية التوحيد والسنة ويحكم شرعه في جميع أمور الناس وحياتهم وأراد أن
يضمحل الشرك والخرافة وتولي وتنشمر، وتصبح الأرض وأهلها هنا في بلدي وبين قومي في هذه
المملكة حرسها الله هيأ رجلين خيرين صالحين نحسبهما كذلك والله حسيبهما وهما: الإمام
العالم الداعية إلى تجديد ما إندرس من معالم الدين من معالم التوحيد من معالم الشريعة
وهو الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، و الإمام الآخر هو الأمير محمد بن
سعود رحمه الله
فاجتمعت كلمة الرجلين
بعزيمة وصدق نية ـ إن شاء الله ـ على الدعوة إلى التوحيد، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب
داعية والإمام الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية آنذاك ناصرا ومؤيدا، وما مضى وقت إلا
وصارت الدرعية ـ وهي قرية صغيرة من قرى نجد ـ شامخة عالية قاعدة لدولة تنشر التوحيد
والسنة
واستجاب لهذه الدعوة
المنصفون والعقلاء والفطناء من أهل العلم والفضل الذين أحبوا السنة فناصروها مع بعد
الشقة عن المجددَين الشيخ والأمير
وممن ناصرها الإمام
محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله وغيرهم في المشرق و المغرب، لأن ذينكم الإمامين
لم يرفعا شيئا في دعوتهما إلا الإسلام والسنة؛ التوحيد و السنة
ومضى وقت ثم مضى
قدر الله سبحانه وتعالى أن يكون هناك ضعف وتفكك وهذه سنة الله في خلقه؛ يبتلي بالنعم
ليظهر شكر الشاكرين، ويبتلي بالمصائب ليظهر صبر الصابرين، و في الحديث الصحيح ما هو
إشارة إلى هذا، قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير
وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيرا له) رواه مسلم
عصفت هذه العاصفة
من التفكك وعاد الناس ـ إلا من رحم الله ـ فوضى
وحدثنا من أدركوا
ذلك أن من له ثأر يدخل مع من يصلي في المسجد النبوي يرقبه فإذا خرج من المسجد قتله
لأنه لا سبيل مؤمنة ولا سلطان نافذ الكلمة يقيم حدود الله، بل كانت مقامات التعصب في
المسجدين ـ التعصب المذهبي ـ فكل مذهب له مقام
وحدثني كبير سن في
المدينة قبل تخرجي في الجامعة الإسلامية على ما أظن في سنة 1390 أو 1391، وهذا الرجل
اسمه مصطفى صبر ولا أظنه حيا الآن، قال لا يصلي أهل مذهب خلف إمام آخر من مذهب آخر،
فكان كل أهل مذهب ينتظرون إمامهم فكل مقام يصلي فيه إمام، أربعه مقامات، وهذا في عهد
تركيا وفي عهد الأتراك
بل حدثني رجل أعمى
اسمه سليمان المزني يوم كنت أدرس في الجامعة الإسلامية أو في المعهد العلمي قبل ذلك؛
حدثني أن عامل تركيا على المدينة ـ وهذا في آخر الدولة التركية ـ أحمد فخري لا يخرج
من قصره إلى ضاحية من ضواحي المدينة حتى يطلب الحماية ـ الجيرة ـ وبوادير يسمونها الوجه،
فإذا انبرى له شيخ قبيلة ودخل في حمايته خرج.
ولما أراد الله سبحانه
وتعالى لأهل هذه الجزيرة من جديد أن يعود إليها التوحيد والسنة في كامل ربوعها وأن
تجتمع كلمتها وأن تولي الخرافة و الفوضى والهمجية و الغوغائية وغارات السلب و النهب
ـ التي كان من البيوت من يمسي غنيا و يصبح فقيرا وأخرى تصبح غنية و تمسي فقيرة ـ
ولما أراد سبحانه
وتعالى تأمين السبيل وأن يعيش الناس في أمن وأمان على النفس على الدين والعرض والنفس
والمال وأن يكون الناس محكومين بشرع الله تقام فيه الحدود على الكبير و الصغير و الشريف
و الوضيع البدوي و الحضري هيأ الله رجلا صالحا
وكان الشيخ عبد العزيز رحمه الله يترضى عنه يقول عليه رحمة الله ورضوانه، إنه الملك
عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود ، فخاض هذه
البلاد شرقا وغربا مناصرا من عاصره من أئمة الدعوة رافعين التجديد إلى التوحيد و السنة،
فأمن الله به السبل وجمع عليه الكلمة، وصار الناس الذين كانوا أعداء ـ سياستهم مع بعضهم
غارات السلب و النهب لغياب التوحيد و السنةـ صاروا أحبابا متآلفين متآخين، وصاروا متعاملين
حتى إنه انتشرت بينهم المصاهرة و المشاركة في الأمور المالية عن طريق التجارة أو المضاربة
أو غير ذلك
و أصبح الرجل الذي
كان لا يستطيع مغادرة بيته ولا ينام إلا وهو محتضن بندقيته يجوب هذه الجزيرة شرقا وغربا
والتي توحدت على هذا المسمى المملكة العربية السعودية
وقد أدركنا قبل ما
يزيد على 50 سنة بقليل أن الناس صنفان: صنف أهل طاعة وتدين وإقبال على ما تيسر لهم
من العلم و التعليم، وصنف أهل معاصي عندهم من الفسق ما عندهم، لكن كلا الصنفين مجتمعون
على السمع و الطاعة لولي الأمر الملك عبد العزيز رحمه الله ونوابه وأمرائه والملوك
من أبنائه من بعده، حتى وفدت وافدة الجماعات الدعوية الحديثة التي كلها ضالة مضلة؛
وعلى رأس هذه الجماعات جماعتان:
إحداهما: جماعه التبليغ
الهندية الصوفية المقنعة
والأخرى: جماعة الإخوان
المسلمين التي تأسست في مصر في منتصف القرن الماضي أظن في منتصف القرن العشرين كما
يسمونه هم، أسسها حسن البنا
رابط المادة:
http://www.youtube.com/watch?v=CdG0G6zXD0I&feature=youtube_gdata_player