الاثنين، يونيو 04، 2012

التحذير من فتنة المال و ما فعل ببعض الرجال- الشيخ محمد بن هادي حفظه الله‎


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
 

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون"
 

"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيبا"
 

"يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما"
 

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
 

أما بعد فإن المسلم في هذه الحياة لابد وأن يجد فيها أحيانا ما يسره وأحيانا ما يسوؤه، فالحال لا تستمر على وتيرة واحدة، فهي تتقلب، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده ويختبرهم لينظر كيف يعملون، يبتليهم ويختبرهم ليعلم الصادق من الكاذب، يبتليهم و يختبرهم ليعلم المؤمن من المنافق
 

"ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين"
 

والله يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، وبعض الناس يبتلى بالسراء فينكص على عقبيه وينقلب على عقبيه، وتتبدل حاله من حال حسنة أيام الفقر والضعف والقلة إلى حال سيئة في أيام السراء والعكس فقد يكون على حال تسر واسعة رغد في العيش بسط في الرزق صحة في الجسم أمان في الوطن عافية في الأبدان سلامة في الأديان؛ ثم يبتلى فينتكس بعد ذلك ولله في لكال الحكمة البالغة "ولو شاء لهداكم أجمعين" ،"ونبلوكم بالشر و الخير فتنة وإلينا ترجعون" ، فالله يبتلي عباده بهذا وهذا
 

وإن الإنسان إذا ما نظر في هذه الحياة الدنيا و نظر كيف حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف كان حال أصحابه رضي الله تعالى عنهم استفاد الفائدة الصحيحة، وإن هو اغفل ذلك ولم ينظر إليه فإنه لن يستفيد الفائدة الصحيحة
 

فالله سبحانه وتعالى قد ابتلى عباده المؤمنين بالسراء و الضراء، وإن من أعظم ما يبتلى به الناس اليوم نعمة السراء المال، و المال فتنة، المال فيميل بقلوب الرجال، وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه، (إن لكل امة فتنة وإن فتنة أمتي المال، أما والله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا فتنافسوها كما تنافسوها ثم تهلككم كما أهلكتهم)
 

فالمال يميل بالرجال إلا من عصم الله وثبته، "المال و البنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا"، "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"، والله سبحانه وتعالى يبتلي عباده، وكم وكم وكم تنظر فترى فتنة الناس بالمال لا تعد ولا تحصى
 

وقد تؤدي الفتنة بالمال إلى الكفر بالله تبارك وتعالى والاستمرار عليه والعنجهية في ذلك كما حصل لفرعون، كما حصل لهامان وقارون، فأنكروا ما اخبر الله سبحانه وتعالى به عن نفسه وعلى لسان رسوله إليهم صلى الله عليه وسلم موسى، قال فرعون: "ما علمت لكم من إله غيري" قال حاكيا ربنا تبارك وتعالى عنه وعن مبلغ كبره "أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين"، فأخبر سبحانه وتعالى بحال هذا الرجل " لولا القي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف  قومه فأطاعوه"، صدقوه فاتبعوه وكذبوا موسى عليه الصلاة و السلام
 

فالمال فتنة، قصة قارون ليست ببعيدة، فلهذا خشي النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة المرحومة، خشي عليهم فتنة الدنيا، خشي عليهم فتنة المال وأخبر أنها فتنة عظيمة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبر وهو الصادق المصدوق ولو لم نر نحن الحدث فكلامه صدق وحكمه عدل صلوات الله وسلامه عليه، لأنه وحي من الله، ووحي الله إن كان حكما فهو عدل، وان كان خبرا فهو صدق وحق
 

فالحاصل؛ أخبر عليه الصلاة والسلام أن هذه الأمة فتنتها بالمال، ونحن نرى كثيرا من الناس يكون على حال سوية في العلم و التعلم و التمسك بالسنة و الاتباع لها والدعوة إليها والولاية لأهلها والبراءة ممن خالفها والحرص على هدايته إن كان جاهلا ودعوته إن كان متعلما أو عالما، فإن رئي منه العناد و الكبر فالحرص على البعد عنه ومعاداته في ذات الله تبارك وتعالى، لأن هذا هو أوثق عرى الإيمان، أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله
 

وكثير من الناس تراه بينما هو على هذا الحال إذ يدرج إلى قلبه المال فيتعلق به فيفتن بصره ويتعلق بنياق قلبه، وإذا بك تراه قد انقلب شيئا فشيئا فارتكس وانتكس نسأل الله العافية والسلامة
 

وفي هذا وأمثاله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس و انتكس وإذا شيك فلا انتقش إن أعطى رضي، وان لم يعط لم يرض"
 

وكان عليه الصلاة والسلام يعطي الرجل ويدع غيره و الذي يدعه أحب إليه ممن أعطاه مخافة أن يكبه الله في النار، ونحن نرى كما قلت لكم في هذه الآونة كثيرا ممن يكون على الحال السابقة التي ذكرناها فيدب إلى قلبه حب المال فيفسد عليه دينه، فيدب عليه حب الدنيا فيفسد عليه دينه


وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المثل العظيم كما جاء ذلك في الحديث الصحيح في الترمذي وفي غيره ومسند أحمد أنه قال: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لهما من حب المرء المال والشرف لدينه
 

 حب للرياسة والوجاهة وحب المال ذئبان جائعان ارسلا في غنم ، ماذا تتصورون يعملون فيهما؟ يلعبون فيهما لعب، هذان الذئبان الجائعان لا يأخذان فقط حاجتهما من الأكل وإنما يفسدان الغنم إفسادا عظيما، فما هاذين الذئبين الجائعين الذين أرسلا في هذه الأغنام بأفسد لها من حب الإنسان للشرف والمال لدينه، فحب الولايات و الزعامات أفسدت كثيرا من الناس، لا يريد إلا أن يكون متبوعا حتى ولو كان على الباطل، ويحب الزعامة و الواجهة وأن يكون رأسا، فلابد وأن يستقل ولابد وأن يخالف، لأن الشيطان يأتيه ويقول له: قد قرأت القرآن وتعلمت فما لهم لا يتبعونك كما يتبعون فلان؟ ما هم بمتبعي إلا أن أحدث لهم! فُيحدِث لهم على خلاف السنة لأجل أن يتبعوه، ثم يستقل بهؤلاء لأجل أن يكون رئيسا عليهم، وهكذا المال
 

ونحن نرى كثيرا ممن ابتلي بسبب هذا فانتكس من حال إلى حال، من حال صالحة طيبة إلى حال خبيثة سيئة بسبب المال، فترى هذا يذهب مع الحزبيين لأنهم أعطوه وظيفة أو أعطوه مالا أو أعطوه سيارة أو ولّوه رئاسة المكتب الفلاني ببلده ونحو ذلك، وهذا مع الجمعية الحزبية الفلانية المعروفة لأنها تدعمه أو يطمع منها أن تدعمه أو يطمع بها أن تفتح له مركزا أو يطمع أن تدعم له مسجدا ونحو ذلك، فيبيع دعوته الصحيحة و دينه الصحيح التي كان يوالي و يعادي عليها في ذات الله تبارك وتعالى، وإذا بك تراه مع هؤلاء المغموصين المطعون فيهم وفي عقائدهم!
 

بل هو بالأمس ربما كان يتكلم فيهم فيرميهم بالتحزب ويرميهم ربما بالبدعة ونحو ذلك، وإذا به اليوم قد انتكس، فإذا بهؤلاء الذين بالأمس يطعن فيهم يزكيهم اليوم أو يدافع عنهم!
 
وصدق أحمد رحمه الله - مع الفرق العظيم- حينما قال لعلي بن المديني وقد أجاب متأولا في فتنة القول بخلق القرآن، وعلي بن المديني كان بينه وبين ابن أبي دؤاد صلة وكان يغدق عليه باسم الحاكم فلم يزل به - وهو إمام من الأئمة - حتى وقع فيه ما وقع وأجاب مداراة وخوفا لا اعتقادا، ومع ذلك ما قبل أحمد منه رحمه الله ورضي عنه قال: لا، أنت لأنك يشار إليك بالبنان، يعني محل اتباع، ما قبل أحمد منه، وكتب له تلك الأبيات:


يا ابن المديني الذي عرضت له   دنيا فجاد بدينه لينالها
ماذا دعاك إلى انتحال مقالة       قد كنت تزعم كافراً من قالها
 إن الرزية من يرزى دينه         لا من يرزى ناقة وفصالها
 

هذا هو المرزى، الرزية أن تحل بالدين، هذه هي الرزية، ما هو ذهاب الناقة ولا الفصيل
 

وألقيت إلى علي بن المديني في بيته فقرأها وجاء بها إلى ابن أبي دؤاد فقال: ما أظنها إلا من أحمد، أو كلمة نحوها
 

فإذا كان هذا علي بن المديني، الإحسان إلى القلوب يستميل الناس، فالذي أوصي به نفسي وإخواني الصدق مع الله تبارك وتعالى والثبات على هذه الدعوة السلفية المباركة الصحيحة التي هي ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثناه
 

قال عليه الصلاة والسلام: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة -أو ملة-" والألفاظ في هذا متعددة، "وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة" وفي رواية "ملة"، ويروى في الموضعين(كلها في النار إلا واحدة) (كلها في النار إلا واحدة) "وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة" من هم ؟
 قال: "من كان على ما أنا عليه اليوم و أصحابي" في اللفظ الآخر: "الجماعة"، والجماعة تكون على الحق ولو كنت وحدك
 

والمصيبة أن تترك الذي كنته تعرفه بالأمس وتراه حقا، وتركب ما كنت تراه بالأمس منكرا و باطلا فتراه اليوم حقا، فالتلون في دين الله لا يصلح
 

ودين الله واحد، والحق قديم واعلم أنك إن فعلت ذلك وحاولت المغالطة فإن الله يكشفك، والناس يعرفون منك الخبيرون بك والمتابعون والعارفون بحالك وسيرتك يعرفون هل أنت بالأمس كاذب أو اليوم كاذب؟
 

فهذه الآن الرزية كل الرزية، أننا كل يوم نرى بعض إخواننا يتساقطون ويتهافتون على المال فيميل بهم، فبالأمس الجمعية الفلانية حزبية واليوم سلفية وأكبر من ينشر الدعوة السلفية في العالم! وبالأمس الجمعية الفلانية كذا واليوم كذا، وبالأمس هذا حزبي و اليوم صار أخوه، وهكذا
 

فأوصيكم معشر الإخوة والأبناء بالثبات على دين الله تبارك وتعالى، ومعرفة الحق بدلائله، تعرفون من كان عليه، فإن الرجال يعرفون بالحق، والحق ما يعرف بالرجال، الرجال هم الذين يعرفون بالحق، بماذا؟ بالدلائل التي قامت على هذا الحق واضحة جلية ساطعة من كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال أصحابه رضي الله تعالى عنهم وعبارات السلف الصالحين، فنحن نزن الناس بهذه الأشياء، فمن كان عليها فهو السلفي حقا، ومن خالفها فليس بسلفي وان ادعى وملأ الدنيا صراخا
 

ولنعلم أن دين الله واحد، والحق واحد لا يتعدد، والتلون في دين الله من أعظم البلايا، ومن أكثر مخالطة أهل الأهواء ومداخلتهم فإنه سيكثر التنقل، اليوم على وجه وغدا سيكون على وجه وبعد غد سيكون على وجه، حتى يعود أخس مما كان عليه من ينتقدهم هو بالأمس


فأوصي إخوتي و أبنائي بالثبات على هذا، و وزن الرجال بالدليل الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم وعليه عبارات السلف الصالحين، فإن من وزن الناس بهذا لا يكاد يخطئ، ومن نظر إلى مناصبهم أو مراكزهم أو نحو ذلك فإن هذا لابد وأن يخطئ هذا أولا
 وثانيا أوصيكم بالحرص على السبيل لتصحيح هذا الميزان ألا وهو العلم، طلب العلم الشرعي الصحيح، فإن هذا الميزان لا يحسن أن يزن به إلا من كان على درجة من العلم

والعلم معرفة الهدى بدليله ما ذاك والتقليد يستويان

 والجهل داء قاتل و دواؤه أمران في التركيب متفقان
 
نص من القرآن أو من سنة وطبيب ذاك العالم الرباني
 

اليوم يأتي الفروخ يطلع من البيضة يظن نفسه مثل الديك، لا يحسن أن يصيح فيرى نفسه مثل الديك الذي إذا صاح اسمع البلدة كلها والقرية كلها، هذا غير صحيح
 

فمن رسخت قدمه في الدعوة وشابت لحيته ورأسه فيها وطال عمره وعالجها وعرف أهلها على مر الدهور لا يمكن أن يكون الأحداث مثله بحال من الأحوال، ومن شهد له أئمة الدين و الهدى بالاستقامة على دين الله وعلى طريق الخير لا والحق و الهدى لا يمكن أن يزحزحك عنه أو يزلزلك عن الجلوس إليه كلام من لا يوثق به ولا يأبه به ولا ينظر إليه
 

فالواجب علينا جميعا أن نسلك هذا الطريق طريق التعلم والإتقان بطرائق الاستدلال التي يعرف بها كيفية الاستدلال وهذا لابد فيهم معرفة أصول الفقه كما أنه لابد في معرفة الدليل ومراد الدليل و صحة الدليل لابد فيه من معرفة أصول الحديث، فهنا لابد من معرفة أصول الفقه حتى تعرف كيف تستدل وتثبت حجتك بالدلائل الواضحة وتعرف كيف ترد على المغالطين، فإن المغالطين اليوم كثير لا كثرهم الله
 

فأوصيكم إخوتي وأبنائي بالجد في التعلم والأخذ بالحزم وبقوة من أهل العلم الشرعي، فإن المتلاعب لا يكشفه إلا العلم الشرعي، المتلاعب الذي عنده آلة وعنده معرفة وعنده علم لكنه متلاعب لا يكشف إلا بمعرفة العلم الشرعي، لأنك تعامله من نفس ما يعاملك
 

فأوصيكم بالحرص على  الازدياد من العلم، في ازدياد العلم إرغام العدى وصلاح العلم إصلاح العمل، فترغم عدوك وتصلح عملك وكفى بهاتين فائدتين عظيمتين لهذا العلم الشرعي
 

وأوصيكم معشر الأبناء بالحرص على الازدياد من العلم لإرغام عدوكم فلا يجد مدخلا عليكم، والعدو عام  من الإنس و الجن، "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون"
 

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والبصيرة في الدين والفقه فيه و الثبات عليه حتى نلقاه، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يجنبنا و إياكم مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه صوابا على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا إنه ولي ذلك و القادر عليه
 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان
الشيخ محمد بن هادي حفظه الله‎