الثلاثاء، سبتمبر 10، 2013

خَطَرُ الانجِرَاف في بِدعَةِ فِقهِ الوَاقِعِ عَلَى صَاحِبِ السُّنَّة / الشيخ خالد عبدالرحمن

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعدُ فهذه جملة من الفوائد التي أفاد بها الشَّيخ  خالد بن عبد الرحمن آل جاد حفظه الله :-

قد قص الله تعالى علينا قصة نبيين كريمين؛ في كل منها فوائد في هذا الباب..

الأولى: قصة موسى عليه السلام مع الخضر

وفيها قول الخضر جواباً لموسى: "أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً"، وهذا فيه إخبار الخضر لموسى بخبر الملك المعتدي الظالم، فإن الله عز وجل قد أطلع الخضر على خبره ولم يطلع موسى عليه، ولم يكن موسى عليه السلام يعلم خبره ولم يسأل عنه أو يحرص على معرفة أحواله من قبلُ كما هو ظاهر من القصة، ولو كان فقه الواقع مطلوباً لذاته لما فرط موسى عليه السلام بمعرفة خبر ذلك الملك الظالم الذي عاصره

الثانية: قصة سليمان عليه السلام مع الهدهد

وفيها قول الهدهد: "أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين"، فقد أحاط بما لم يحط به سليمان عليه السلام من خبر بلقيس وليس في ذلك مزية له على سليمان عليه السلام، مع كون سليمان ملكا من الملوك ويحتاج إلى معرفة أحوال الملوك الكفار ممن يعادي الإسلام، ومع ذلك أطلع الله عز وجل الهدهد على خبر بلقيس دون سليمان، وذلك لأن هذه العلوم ليست مرادة لذاتها وإنما يؤخذ منها ما يحتاج إليه فحسب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية - ما معناه - : إن الخضر أحاط علماً بما غاب عن موسى، وموسى أفضل منه، وأحاط الهدهد علماً بما غاب عن سليمان، وسليمان أفضل منه

بعض ما قاله العلماء الربانيون عن فقه الواقع:

قال العلامة ابن باز رحمه الله عن فقه الواقع إنه يلهي عما هو أهم

وقال العلامة الألباني رحمه الله عنه إنه لا ينبغي أن يكون منهجاً للإسلام والسنة، وقد صرفوا الناس به عن الأصل وهو تعلم الكتاب و السنة، ذكره في كتيب له بعنوان (فقه الواقع) وهو تفريغ لمحاضرة صوتية

وقال العلامة الفوزان حفظه الله إن هذه العلوم يؤخذ منها بقدر الحاجة

 تعليق الشيخ أحمد السبيعي:

الاستدلال بالقصتين (قصة موسى مع الخضر، وسليمان مع الهدهد) يفيد أن (فقه الواقع) ليس فيه فضيلة لذاته، وإنما يراد لغيره إذا ترتب عليه شيء من الأحكام الشرعية. انتهى..

---
الشيخ خالد عبد الرحمن:
ذكر الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى إن فقه الواقع يُحتاج إليه بقدر الحاجة إلى العلماء و الأمراء، واستدل بحديث الصحيحين لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن فقال له: "إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب" فبين له صلى الله عليه وسلم حال المدعوين لما احتاج إلى ذلك فحسب ولم يبينه ابتداءً، وهذا من الفقه المطلوب

من الأدلة في الرد على دعاة فقه الواقع:

روى البخاري في صحيحه من حديث المسور بن مخرمة ومروان حديث صلح الحديبية وما فيه من الشروط المجحفة التي اشترطها أهل مكة وقبلها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سأله عمر وقال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟ أجابه صلى الله عليه وسلم بقوله: يا عمر إني رسول الله وإني أطيعه ولست أعصيه، فلم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بذكر الأسباب التي حملته على قبول الشروط لأن معرفة ذلك ليس ضرورياً للعلماء فضلاً عن غيرهم

كان الشيخ ابن باز رحمه الله: المقصد الأصلي هو حفظ كتاب الله عز وجل لمن استطاعه وحفظ كتب أهل العلم والألفية وكذا وكذا، وأما الجرائد وغير الجرائد فهذا مما يلهي عن الأهم.

وقال الألباني عن فقه الواقع: هذا العلم عظموا من شأنه حتى صاروا من خلاله يزهدون بالعلم والعلماء، وينسبون من أدرك شيئا من فقه الواقع إلى أن يكون عالما من العلماء!

زاد الشيخ ابن عثيمين: حتى لو سألته عن صغار مسائل العلم لعجز عن الجواب فيها

وقال الألباني رحمه الله: من ظن أن المسلمين وما حل بهم من الذلة والمهانة بسبب عدم فقه الواقع فهو واهم، إنما سبب ما حل بالمسلمين هو عدم العلم بالكتاب و السنة والعلم بهما
---
حديث "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية" فيه الرد على من زعم حصر سرية الإنكار والنصيحة على ولي الأمر دون وزرائه ونوابه،وكذلك حصر تحريم الإنكار في أمير بلده دون غيره  من وجوه ثلاثة:

الأول: قوله: (لذي سلطان) هذا مضاف و(سلطان) مضاف إليه، والإضافة من صيغ العموم كما هو مقرر في علم أصول الفقه، فيعم ولي أمر البلد نفسه وغيره

الثاني: أن قوله (لذي سلطان) قيد، وقد بين علماء الأصول كما نص عليه الشنقيطي صاحب أضواء البيان في بعض كتبه في الأول وفي تفسيره وفي شرحه على المراقي: إن الأصل عند أهل العلم في القيود اعتبارها، فإن القيود الشرعية لا تلغى إلا إذا دل دليلٌ على عدم اعتبارها، وهذا نص عليه أيضا الشيخ ابن عثيمين

الثالث: أن ما ارتبط حكمه بمعنىً فإنه باتفاق أهل العلم متى وجد هذا المعنى وجب اعتباره، ويعبر عنه العلماء بقولهم: مراعاة المعنى الذي تعلق الحكم به

فالمعنى الذي تعلق به الحكم في هذا الحديث والذي أوجب الإسرار بالنصيحة للحاكم هو سد باب الفتنة والشر كما فهم ذلك الصحابة رضي الله عنهم.

---

كيف الجمع بين الكلام في أهل البدع والأهواء وعدم الإنكار العلني على ولي الأمر إن كان صاحب بدعة؟ 

الشيخ محمد بن هادي حفظه الله يعجب ممن لا يفرق بين بيان الاعتقاد والرد على أهل البدع، وبين عدم الطعن على السلطان والإنكار العلني عليه إن كان منتمياً لأهل البدع

فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى يحذر من الجهمية ويبين فساد مذهبهم، ويدين بالسمع والطاعة لولي أمره الجهمي ويدعو له بالخير

ولذلك لما تولى د. مرسي حكم مصر كان أهل العلم ومازالوا يحذرون من الإخوان المسلمين، ومع ذلك يدينون بالسمع والطاعة له ولا يطعنون فيه.
---

ابن عثيمين رحمه الله تعالى كما في كتابه "العلم" وفي لقاء الباب المفتوح حين تكلم عن فقه الواقع والخائضين به قال إن هؤلاء الذين يعظمون فقه الواقع ويكثرون من الاعتناء به هم في الحقيقة عندما تتبعنا تحليلاتهم وتتبعنا كلامهم ظهر أنهم يجهلون هذا الواقع الذي يدندنون حوله، ولذلك تجدهم يستنبطون ويذكرون تحليلاتهم ويكون الواقع خلافه..

فالشيخ العثيمين إنما علم تناقض القوم وأراد بيانه، ومن كان متمكناً قوياً في العلم فإن له أن يتتبع تناقضاتهم في الباب من أجل فضحهم وبيان حالهم للناس
---

المصدر: