الثلاثاء، سبتمبر 10، 2013

خَطَرُ الانجِرَاف في بِدعَةِ فِقهِ الوَاقِعِ عَلَى صَاحِبِ السُّنَّة / الشيخ عادل منصور ابي العباس

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعدُ فهذه جملة من الفوائد التي أفاد بها الشَّيخ  عادل منصور أبي العباس حفظه الله :-

تحذير أهل العلم من دعوة الجماعات إلى فقه الواقع له هدفان: أولهما: أنه وقاية للسني من أن يقع بما وقعوا به، وثانيهما: أنه دواء لمن تأثر بهم

وقد نهى أهل العلم قديما وحديثا عن الخوض بفقه الواقع، كما ذكره البربهاري رحمه الله في شرح السنة وغيره من العلماء أنه إذا استجد في بلدك قولٌ فلا تستعجلن بقبوله ولا برده حتى تعرضه على العلماء

وقد سئل العلامة العثيمين عن فقه الواقع فقال إن (فقه الواقع) كلمة أطلقها بعض الدعاة ثم أصبحت سلاحاً وسهماً يُطعن فيه بالعلماء، إنما المطلوب فقه واقع المسائل التي يُسأل عنها ليحكم فيها حكما شرعيا صحيحا

وكذلك حذر كثير من العلماء من بدعة فقه الواقع، فكم حذر منها العلامة الوادعي، وللشيخ الربيع حفظه الله مجالس عدة مسجلة ومفرغة في كشف شبهاتهم

فقه الواقع منازعة لولي الأمر

وهم يطالبون بالخوض في الواقع المتعلق بتصرفات ولي الأمر ونوابه؛ فيقولون: إنه كان على الحكومات أن تفعل كذا وكذا وتنتهي عن كذا وكذا، وهذا مخالف لطريق السنة

وهما طريقان لا ثالث لهما: إما سمع وطاعة وإما خروج ومنازعة، وليس (فقه الواقع) إلا من المنازعة، بل إنه أول منازعة وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم حيث اطلع ذو الخويصرة على القسمة المالية التي أجراها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم اعترض عليه!

شبهتان والرد عليهما:

ولهما في ذلك شبهتان، أولاهما: قوله تعالى: "ألم . غلبت الروم . في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون . في بضع سنين" الآيات، فقالوا إن الصحابة كانوا يتابعون ما يجري بين فارس والروم، وهذا من تتبع الأخبار والواقع!

وهذا باطل، فإن الله عز وجل إنما ذكر ذلك ليكون من دلائل النبوة له صلى الله عليه وسلم

والشبهة الثانية: أنهم يستدلون بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)، وهو حديث ضعيف قد توسع بتخريجه الألباني في السلسلة الضعيفة، وعلى فرض ثبوت الحديث فإن أول من ينطبق عليه هذا الحديث هم دعاة فقه الواقع! إذ أن أعظم أمر من أمور المسلمين هو أمر دينهم، وأولئك إنما يصرفون الناس عن تعلم بدينهم بإقحامهم فيما أسموه بـ(فقه الواقع)

---
فقه الواقع له مفاسد عدة؛ منها:

1. ازدراء العلماء والتزهيد بهم، فيسمونهم أهل الأوراق الصفراء، وغيرها من ألفاظ منفرة، وهذا أشار إليه سيد قطب، بل إن حسن البنا له رسالة صغيرة بحجم  الكف اسمها (فقه الواقع)

2. التزهيد بالعلم الشرعي والانصراف عنه إلى غيره، إذ من ينشغل بالعلم الشرعي لا يجد وقتاً للسماع إلى هرطقات الجماعات السياسية

3. إعداد الأتباع وجمع الجماهير لهم، فإنهم إذا أشغلوا الناس بفقه الواقع صاروا مادة جاهزة ليصيروا فيما بعد أتباعا لقادات الجماعات السياسية

4. رفع بعض السفهاء فوق منزلتهم وإعطاؤهم حقوقاً ليست لهم إنما هي لولي الأمر، فيسلبون ولي الأمر حقوقه من البيعة والسمع و الطاعة ويعطونها لقاداتهم!

5. رفع منزلة الجماعات السياسية على أنها جماعات نصرت الإسلام وأعلت كلمته!

6. توسيد الأمر إلى غير أهله

7. تحدث الرويبضة بأمر العامة، وهو كما قال صلى الله عليه وسلم: "السفيه – وفي رواية: الرجل التافه – يتكلم في أمر العامة"، وقد قالها صلى الله عليه وسلم على وجه التحذير فكيف تسمونها فقهاً!!

8. سلب ولي الأمر حقوقه من السمع والطاعة ومن البيعة

 

فائدة

فهم الواقع إنما هو من مهمات ولي الأمر الموكلة إليه، لا لعامة الناس، وهذا الواقع المراد معرفته إنما يعرف بالأخبار الموثوقة، فتأمل ما رد به سليمان على الهدهد بعدما أخبره بالخبر "قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين"، فلا بد من التثبت في الأخبار لا قبول ما تهواه النفس منها دون تثبت!

 

إطلاق اللسان عند دعاة فقه الواقع

من عمد دعاة فقه الواقع إطلاق اللسان وإبداء الرأ "أبدِ رأيك"، بينما تجد النصوص الشرعية تحث على كف اللسان إلا من خير، "رب كلمة يقولها العبد لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً"

ففي دعوتهم:

1. تجريء على القول على الله بغير علم

2. الاعتراض على القدر

3. الاعتراض على الشرع، فإذا عرضت الأحاديث الواردة في السمع والطاعة اعترضوا وردوها، بل إن بعضهم لا يتورع عن وصفها بأوصاف قبيحة مع أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم! فنسأل الله العافية..

 

صورتان من فقه الواقع:

وثمة صورتان من فقه الواقع قد لا يُفطن إليها وتلتبس على بعض المنتسبين للسنة:

الأولى: القول بحصر النهي عن الإنكار العلني على ولي الأمر دون وزرائه ونوابه ومن يؤول إليه، وهذه مرحلة اتبعها عبد الله بن سبأ اليهودي حيث قال إن الناس لن تقبل ابتداء الطعن على عثمان، فلا بد من البدء بعمرو بن العاص قبله فإذا قبلوا الطعن فيه تدرجوا إلى الطعن على من فوقه، ذكره الآجري في الشريعة من رواية سيف بن عمرو الضبي وهو وإن كان ضعيفا في الحديث إلا أن خبره هذا مقبول في التاريخ وذكره أهل العلم

الثانية: القول بجواز إنكار الرجل على أمير بلد أخرى غير بلده، وهذا مردود بحديث "من أراد أن ينصح لذي سلطان فلا يبده علانية" كما سيأتي

 ---

دعاة فقه الواقع أقحموا عوام المسلمين رجالاً ونساءً بل حتى الأطفال في المدارس يتكلمون في أمور السياسة!! والعوام لا يتكلمون عن علم وإنما تحكمهم العاطفة، والعاطفة كما قال ابن عثيمين العاطفة عاصفة..

---

قد يأتي أهل الباطل أحياناً بكلام متقدم لبعض أهل السنة يكون فيه شيء من الثناء على جماعة سياسية أو الثناء على بعض أفراد أهل البدع، ومثل هذا الكلام له حالات ثلاث:

-         إما أن الكلام لا يصح عن العالم ولا يثبت عنه

-         أو تكون كلمات مجملة

-         أو زلة منه، والزلة قد يكون رجع عنها، أو لم يرجع، (أو لم يُنقل إلينا رجوعه عنها)[١ال]

والثاني كالأول في كونه كلاماً لا يثبت عن العالم، إذ الكلام الذي حُرف وغُيّر عن وجهه بحذف قيوده ونحو ذلك لا يعتبر من كلام العالم أصلاً ولا تصح نسبته إليه

أما الثالث – وهو ما تصح نسبته للعلماء من ثنائهم على بعض الجماعات أو بعض أفرادها – فهو إنما يدل على خبث هذه الجماعات وحرصها على إخفاء باطلها، فإذا كان الأمر قد خفي على عالمٍ من العلماء فمن دونهم من باب أولى أن يحذروا من تلبيسهم وتدليسهم

وما أجمل ما قاله المعلمي في التنكيل بأن المزكي و المعدل جانب التساهل في حقه أشد من الجارح، لأنه يبنيه على براءة الذمة وإحسان الظن وإعمال الظاهر، أما الجارح فيحتاط لدينه ولا يتكلم إلا بما علمه.

---

انتقاد أهل العلم لفقه الواقع ودعاته لا يعني أن يضع الإنسان في أذنيه قطناً ويمتنع عن سماع الأخبار، فإن ما يهجم على الإنسان من أخبار في المجالس أو في الإذاعات ونحوها أمر لا يكاد ينفك منه أحد، ولكن الذي يعيبه أهل العلم ويحذرون منه هو قصد تتبع الأخبار واتخاذها فقهاً وديناً، (وهذا أيضا ذكره الشيخ الربيع حفظه الله أن المعيب إنما هو تتبع هذه الأخبار وتقصدها وأخذها ديناً)[٣]

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..

 ---

[١] زيادة من شيخنا أحمد السبيعي حفظه الله

[٢] زيادة من الشيخ أحمد السبيعي حفظه الله تعالى

المصدر: