سَببُ عَدمِ تبدِيعِ بَعضِ أَعيَانِ جَمعيَّةِ التُّراثِ، وَالرَّدُّ عَلى مَن وَصَفَ ذَلك بالتَّناقُضِ، ومَوعِظَةٌ لمَن دَاهَنَ أَهلَ الأَهوَاء
للشَّيخِ الفَاضِلِ أحمَد السّبيعي حفظه الله تعالى
إنه لا بد هنا لصاحب السنة بعد أن يدرس مثل هذه المعاني وهذه الأحكام لا بد أن يسأل نفسه سؤالاً صادقاً:
الجماعات الإسلامية السياسية هل خلافها مع أهل السنة خلاف في أصول السنة؛ - والذي قد يعبر عنه بالعقدي، وقد يعبر عنه بغير ذلك من العبارات-، يعني هل الخلاف مع الجماعات الإسلامية السياسية خلاف في أصول السنة؟ سنة وبدعة؟ أو هو خلاف مثل الخلاف الذي يقع بين أهل العلم؛ خلاف صواب وخطأ؟ قول راجح وقول مرجوح؟
هذا سؤال مهم، وينبني على الجواب الصحيح عليه من وفق إلى أن يجيب على هذا السؤال جواباً صحيحاً ويهديه الله فإنه في الغالب - لولا بطانة الجماعات - ففي الغالب أنه يهدى إلى ما اختُلف فيه من الحق بإذن الله
هذه مسألة مهمة، وأنتم تتعلمون أن أهل السنة لا ينطلقون ولا يروحون ولا يجيئون إلا بعلمائهم، فأهل العلم والسنة دائماً فيها روح وفيها معنى وفيها أمر الرجوع الى من هو أعلم، هذا هدي السلف جميعاً، ولذلك حتى الأئمة الفحول الكبار مثلاً لو تأتي الإمام مسلم تجد أنه يقال مثلا في ترجمته: لولا البخاري لما راح ولا جاء، أو كذا، فيها دلالة على هذا المعنى، يعني دائماً الرجوع للعلماء، فنحن علماؤنا معروفون، علماؤنا معروفون؛ ابن باز الألباني ابن عثيمين؛ تكييفهم للنزاع مع الجماعات تكييف سنة وبدعة؟ أو تكييف خطأ وصواب؟ تكييف سنة وبدعة، هذا واضح بفضل الله تبارك وتعالى، بل من إمعانهم في وصف هذا الأمر بأنه سنة وبدعة أنه حتى من يظهر شعار السنة أو ينتسب لما يعرف بالسلفية إذا انتسب إليها على وجهٍ يشعر بعدم الاتباع فإنهم يدرجونهم مع الجماعات، لما علم من هذا الزمان أن هناك جماعات أو طوائف قد تنتسب الى السلفية ولكنها تجري في طريقها وإصلاحها ومسارها على طريقة الإخوان المسلمين، ولذلك تجد في كلام ابن عثيمين يأتي مراراً وتكراراً هذا التقييد، من إمعانهم في النصيحة رحمهم الله تعالى، وهذا باب بفضل الله تبارك وتعالى واسع وكثير وشواهده كثيرة من أقوال العلماء والأئمة، وما فتوى الإمام ابن باز رحمه الله بوصف الإخوان والتبليغ ونحوهما أنهما فرق منا ببعيد
إذن فاختصاراً للوقت إذا كان الجواب على هذا السؤال بتقرير علمائنا أنه خلاف سنة وبدعة؛ إذا فهذه الجماعات كما يصفها أهل العلم امتداد إلى الفرق القديمة، هذه الجماعات امتداد للفرق القديمة، إذا فهي تأخذ حكمها، لكن تأخذ حكمها في ماذا؟ تأخذ حكمها في أنها مفترقة عن السنة، أنها مفترقة عن طريقة الصحابة والتابعين وأهل العلم وأئمة السنة، تأخذ هذا الحكم كشأن الفرق
يعني الآن هل المعتزلة والجهمية لما العلماء أطلقوا عليهم أنهم من الفرق؛ فالأفراد او الأعيان الذين ينتسبون إلى هذه الفرق هل حكمهم سواء عند أهل العلم والسنة قديما و حديثا؟ لا أبداً، الإمام أحمد؛ الجهمية الذين قال عن مقولتهم الكفر الأكبر توقف في تكفير بعض أعيانهم وتنزيل الحكم عليهم كبعض الخلفاء، أليس كذلك؟
إذن فالعلماء قديماً وحديثاً في حكم المنتسبين الى هذه الفرق لا يحكمون عليهم حكماً واحداً ولكن يفصلون، لأن قد ينتسب إليهم من يكون مقلداً، قد ينتسب إليهم من يكون جاهلاً، قد ينتسب إليهم من لم تقم عليه حجة الله، إلى غير ذلك، فهذا من عدل ومن ممادح أهل السنة
فكذلك هذه الجماعات الحكم على أفرادها يرجع الى نوع الجماعة، فجماعة مثلاً الإخوان والتبليغ أظهر في البدعة، ولذلك تكون من البدع الظاهرة التي قد يلحقها بعض أهل العلم بالبدع الظاهرة الكبيرة التي من انتسب إليها صار معلوماً أنه مبتدع، وهكذا، إذا فهذا الترتيب ترتيب صحيح وحكم صحيح وواضح بفضل الله تبارك وتعالى
ولكن هل يلزم من قول أهل السنة هذا هل يلزم من قولهم هذا أن من كان من الطوائف تنتسب إلى السنة بقدر وهي امتداد للفرق أو للإخوان أو غيرهم - كجماعة عبد الخالق "التراث" - فهل يلزم من ذلك كما تقدم بيانه أن كل من انتسب إلى هذه الجماعة مبتدع؟ لا طبعاً، هذا لم يقله أحد حسب علمي ولا يعتقده أحد منا أو من إخواننا الذين نعرفهم، ومع هذا؛ مع أننا لم نعتقد ذلك ولم نقله في يوم من الأيام ولا أعلم معتقداً له بهذا الإطلاق طالما قرأنا وقرأنا وقرأنا أن هؤلاء يقولون: "كل تراثي مبتدع"!
كون البعض يقول ذلك شيء، وكونه يستشري في الناس هذا الاستشراء دون أي بينة وبما يخالف الواقع والاعتقاد فهذا يدل على أمر في الحقيقة مؤسف، وهذا الأمر المؤسف هو في الحقيقة من مبادئ الفرقة، هذا الأمر المؤسف من مبادئ الفرقة، لأن الفرقة بم تبتدئ؟ الفرقة تبتدئ بالبغي والظلم، كما قال الله تعالى: "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلفوا فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيات بغياً بينهم" فإذا وقع البغي هنا تبدأ الفرقة، لأن البغي ظلم، فما بالك إذا كان هذا البغي مبناه الكذب؟
إذا فلا يلزم من قول أهل العلم والسنة في هذه الجماعات ما قالوا هذا اللازم الذي يلزمه إياه بعض الناس هداهم الله تبارك وتعالى أبداً، لكن هم يلزمهم أن يقولوا بأن هذه الجماعات ليست بفرق وأن الخلاف معها ليس في سنة وبدعة، لماذا يلزمهم هذا؟ لأنهم يزعمون أن من أعيانها ورؤوسها من يكون خيراً من أهل السنة ! وهل هذا يتحقق إذ لم تكن هذه الجماعة على أصول السنة فكيف يتحقق أن يكون منها وفيها قائم فيها من أعيانها أن يكون على السنة بل هو خير من بعض أهل السنة وأعلم؟ فهنا يلزم من قولهم هذا على هؤلاء الأعيان أن يكون خلافهم مع هذه الجماعات ليس خلاف سنة وبدعة، وإلا صاروا متناقضين
مزيد من الشرح أو التوضيح؛ لأن هذه المسألة يحسن أن تفهم على وجهها الصحيح أنت عندك قول وعندك لازم لهذا القول، طبعاً كلام الله جل وعلا؛ كلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم هذا الكلام المعصوم التام الكامل الذي لا يأتيه لفساد لا من بين يديه ولا من خلفه "ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً"، كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم كامل، فأي دلالة دل عليها لفظ في محكم التنزيل أو في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أي نوع من الدلالة دلالة منطوق، دلالة مفهوم، دلالة مجملة، إلى غير ذلك من أنواع الدلالات أي دلالة فهي حق يجب أن يعتقد ويجب أن يؤمن به، لماذا؟ لأنه كلام معصوم، وحي، لكن هذه الصفة وهذا الحكم ليس إلا في كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا الحكم يتعلق بكلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه من لدن حكيم خبير، ولذلك النبي صلى الله عليه و سلم قال: "اكتب فو الذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا حق"، وأشار إلى فمه الشريف صلى الله عليه وسلم، فالقرآن والسنة أينما تصرفت ألفاظهما ودلالتهما فهي حقة، فيحمل مجمله على مفصله، ويخص عامه بخاصه، ويقيد مطلقه بمقيد، وهكذا، لأنه كله حق، نعم منه المحكم ومنه المتشابه منه الأمات ومنه الأخرى هذا باب آخر، وصنيع أهل البدع يتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، لكن كلام البشر من العلماء أو غيرهم لا يشمله أحكام كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم، هذه واحدة
النقطة الثانية: أن كلام الإنسان إذا كان يلزم منه معنى فهذا اللازم إن كان كلامه حقاً وكان يلتزم هذا اللازم إذا علمه فإنه يُنسب إليه، لأنه يعلم أنه يلتزمه، كما قال الشافعي مثلاً: "إذا صح الحديث فهو مذهبي"، يلتزم في المسألة يوقفها على صحة الحديث، فإذا صح الحديث إذن لأنه أظهر أنه ملتزم بهذا اللازم الحق من كلامه إذا فإذا كان اللازم من الكلام حقاً وكان صاحبه يلتزمه فقد ينسب إليه، قد ينسب إليه على تفصيل طبعاً
طيب إذا كان كلامٌ لزم منه باطل فهل يصح أن ينسب هذا الباطل إلى قائله إذ لم يلتزمه؟ لا، لأنك هنا تظلمه، قد يكون ما خطر في باله، قد يكون جهل لازم قوله، البشر الإنسان ضعيف، من أعجب صور هذا الضعف والتي ضرب بها المثل الإمام ابن تيمية رحمه الله انه قال أنه قرأ لبعض المصنفين فوجده يقرر في أول كتابه شيئا ثم يقرر في آخره ما يناقض أوله في كتاب واحد لمصنف واحد! هذا البشر
فإذا كان ثمة قول لزم منه باطل فهل تلزم القائل به؟ لا، لا تلزمه إلا إذا علمت أنه يلتزمه، لكن نعم هل يكون ذلك دليل على تناقضه؟ نعم يكون دليلاً على تناقضه وعلى ضعف قوله، لأن هذا القول الذي يقوله لزم منه باطل، فهذا الباطل ما يصير على طول تلزمه فيه، لأنك تظلمه بهذه الطريقة، لكن كونك تذكره في موضع المناظرة أو في موضع الاستشهاد على أن قوله باطل: طبعاً، فبم تبطل الأقوال؟ هذا من أحسن الطرق في إبطال الأقوال الخطأ؛ بيان ما يلزم منها من خطأ، وما يحصل فيها من تناقض
إذا فحين يقول صاحب السنة إن هذه الجماعات عبد الخالق، سيد قطب، حسن البنا، من انتسب إليهم وتفرع منهم وتولد منهم من ألوف الجماعات في الأرض اليوم، ليست المسألة جماعة أو جماعتين، حين يقول القائل إنهم مخالفون لأصول السنة يكون خلافه معهم خلافاً في أصول السنة، فحين يعاملهم على هذا الأصل يكون ذلك مطابقاً لاعتقاده ومطابقاً لما كان عليه السلف الصالح رحمهم الله تعالى، يعني السلف الصالح رحمهم الله تعالى ملتزمون بهذا اللازم في معاملة الفرق و البدع والأهواء، لكن أعيان الأشخاص المنتسبين إلى هذه الطوائف هذا أمر آخر، قد يكون فيهم المسترشد فيُرشد، قد يكون من عنده الشبهة يريد أن يخلص نفسه منها فيُخلص منها، قد يكون فيهم وفيهم إلى آخره، وقد يوجد فيهم الباغي المعتدي الظالم الطاغي الذي يطعن في أهل السنة ويتكلم عليهم وينافح عمن يعلم عدم نصحه في السنة فمثل هذا يُعامل بما يليق به
إذا فهذه مسألة أرجو أن تكون واضحة وبينة، وأسأل الله تبارك وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم والسامعين هداة مهتدين، وأسأله تبارك وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن من بُلي بشيء من اتباع الهوى أو من الظلم والبغي أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى، فليست المسألة هي ظلم أهل السنة إنما ظلمه لنفسه الذي يلزم منه أن يجازى عليه فلعله أن يصاب في قلبه فيزيغ الله قلبه عن السنة بعد إذ هداه إليها، وهذا أمر يشق علينا أن نرى فئاماً من الناس وإخواناً يشاركوننا في كثير من الأصول والمشايخ ثم يأبون إلا البغي علينا والظلم لنا بالكذب والافتراء، ويتواطؤ جموعهم على ذلك ولا يرعوون ولا يراجعون، فإنهم في الحقيقة لا يظلموننا فنحن لا يضرنا خلاف من يخالفنا ولا نزاع من ينازعنا، لماذا؟ لأننا ماضون في طريقنا بفضل الله تبارك وتعالى صابرون محتسبين إن شاء الله، ونعلم أن ما نحن عليه هو اعتقاد أئمتنا وعلمائنا اليوم، فلذلك لا يضرنا خلافهم ولا نزاعهم، لأنه إن شاء الله وفيما نسأل الله ليس لنا مطمح وليس لنا ملمح في شيء من الرئاسة الدينية أو غيرها، ولكن نشفق على أناس قد أعفوا لحاهم وقصروا أزرهم وعظموا الأئمة ابن باز وابن عثيمين والألباني ثم تجد عندهم شيئاً من الاضطراب وشيئاً من الميل إلى شيء من الأهواء أو تخفيف حدة النزاع مع الجماعات مع الشدة والغلظة على إخوانهم، مع أنهم يقلبون علينا ظهر المجن ويزعمون أننا الغالين فيهم أو المتشددين عليهم، وحاشا لله تبارك وتعالى، فإننا نريد من الله تبارك وتعالى ونسأله أن يوفقنا إلى الصبر عليهم والرفق بهم
وما نصنع ما نصنع ونقول ما نقول إلا لحق الله علينا، وإلا لقد علم الجميع سكوتنا لسنين وسنين، وهذا أمر شاق على النفس؛ كون الإنسان يستطيع أن يتكلم بخير يعود عليه وعلى غيره بالفائدة ثم يسكت عنه فإن هذا حرمان لنفسه شيء من الخير، لكننا أعرضنا وصبرنا رجاء أن يثوبوا إلى رشدهم أو أن يرجعوا عن غيهم، لكن مع الأسف نجد أن بعض الناس فيهم خاصة ذلكم الكذاب الإخواني المذهب المتستر لا يريد أن تحيى السنة وتجتمع القلوب عليها، فلا يزال يثير الإحن والمحن لأنه ليس في صالح هواه وليس في صالح طريقه أن تستتب الأمور ولا أن يرجع الناس إلى الحق والتمسك به
ولذلك نُقل إليّ أن هذا الرجل بالأمس - وأقول بالأمس وليس الأمس القريب - قال في بعض حلقه حين ذكر بعضُ الأئمة غلظةَ البدع على المعاصي فعلق مستغلاً هذه المساحة ودخل هنا يعلق حتى يثير الأمور على أشدها؛ فيحمل الناس على الفتنة والشر، ونحن نقول لا، لا لن نمكنك من أن تضل الناس بغير ما تقوم به الحجة، لن نجعلك بأسلوبك الماكر وعباراتك الناعمة التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب؛ تلكم العبارات المعسولة الناعمة التي يغلف بها هذا الرجل - وقى الله أهل السنة شره وشاكلته - خطابه وتنطلي على كثير من الناس، فنقول له لن نمكنك أن تضل مبتغياً للحق طالباً للرشد مبتغياً للسنة، بل إننا سنعين إخواننا هؤلاء بما نستطيع حتى ننقذهم من تلابيبك مثلما أنقذهم الله جل وعلا من ضلالات الجماعات
فأسأل الله تبارك وتعالى أن يكفي شر هذا الرجل أو أن يهديه هذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم